الوصف
لا تَزَالُ الدراسات التوراتية تَحْظى باهتمام خاص بين المثقفين والقراء بصورة عامة، والباحثين والمؤرخين بصورة خاصة، ولا سيما إذا ارتبطت بأضل التَّوْرَاة وجذورها.
ويمثل الكِتَابُ الجزيرة العربية والتّوْرَاة لمؤلّفه أين مونتغمري إحدى تلك الدراسات الرائدة في هَذَا الْمَجَال التي تمثل أول محاولة علمية جادة لربط أصول التَّوْرَاة وَشِعْب بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْجَزِيرَة العربية.
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ مُضِيّ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةِ عُقُودٍ وَنِصْف الْعَقْدِ عَلَى صُدُورِ الْكِتَابِ، إِلَّا أَنْ الحَاجَةِ إلَى تَرْجَمَتِهِ وَمَعْرِفَةِ مَا وَرَدَ فِيهِ لَا تَزَالُ قائمةً، ولا سيما في ظل تزايد النقاش بشأن الدراسات الأخِيرَةِ التي نَسِبَت التوراة إلى الجزيرة العربية وَاعْتِقَادِ الْكَثِيرِ مِنْ الْبَاحِثين أنّها صَاحِبَةُ السَّبَقِ في رَبَّط أَصُولِ التَّوْرَاة وَبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْجَزِيرَة العربية.
إن أهمية هَذَا الْكِتَابِ تَكمُن فِي كَوْن مؤلفه أول من سلّط الصِّوْءَ عَلَى هَذَا المَوْضُوعِ فِي وقت كانت معظم الدراسات التوراتية تغزو أصل التَّوْرَاة إلى مصر أو بابل، فَالْكِتَاب الحالي دعوة للنظر إلى منطقة حضاريّةِ أُخْرَى يَرَى المؤلّف أَنَّ التَّوْرَاةِ انْبَثَقَت مِنْهَا، إِنَّهَا الجزيرة العربية والجَنُوبِ الْعَرَبِي.
يمثل الكتاب الحالي محاولةً جديدةً فِي حِينِهِ لِلنَّظَرِ فِي أَصْلِ التَّوْرَاةَ لَا تناداً إلى نصوصها فحسب، بَلْ إلى الأدلة والنصوص الأثرية المُعَاصَرَةِ لَهَا كَذَلِكَ؛ وَهِي محاولةٌ عصيرة تنتع فيها المؤلف أدلته وفق منهج علمي رصينٍ مَبْنِي عَلَى اسْتِقْرَاءِ دَقِيقٍ لنصوص التوراة والأدلة الأثرية المُرْتَبِطَة بِهَا، وَلَعَلَّ لنشأته وَدِرَاسَتِه الأكاديمية أثراً كبيراً في ذلك.
قدم الْكِتَاب برمته صُورَةً مُتَكَامِلَةً مُدْهِشَةً عَن دَور الجَزِيرَةِ العربية في تاريخ وتطو جيرانها، ولا سيما العِبْرَانِيين، وَنَاقَشَ التغيرات المناخية التي لعلها كانت السبب في زِيَادَة الْجَفَافِ فِي الجَزِيرَةِ العَرَبِيّةِ وَمَا نَتَجَ عَنْهُ مِنْ اِنْهِيَارٍ حَضاري، مؤكداً أَنَّ زِيَادَة الْجَدْب فِيهَا لَمْ يَكُنْ بِسَبب شُح المياه، بل لأن الحضارات القديمة التي عرفت كيفية الإِسْتِفَادَةِ مِنْ إمدادات الْمِيَاهِ إِلَى أَقْصَى حَدٌ، تَدَهْوَرَت لِأَسْبَابِ اجْتِمَاعِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ، عِنْدَمَا فُقِدَت الشَّيْطَرَة عَلَى الْمِيَاهِ؛ وبالتالي لَمْ يَكُنْ الْجَفَافُ سبباً، بل نتيجةً لانهيار الحضارات.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.