روح الدين

بواسطة (المؤلف)طه عبد الرحمن

د.ا12.78د.ا14.20

لقد عودنا الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن أن نظفر بالطريف في كل كتاب يخطه وفي كل موضوع يطرقه؛ وهاهو ذا، في الكتاب الذي بين يديك، يأتينا بما كنا نظن أن العقل ينكره، بل أن يحيله، في معضلة لطالما شغلت ” إنسان هذا الزمان”، وحيّرت العقول ولا تزال، ألا وهي ” العلاقة بين الدين والسياسة”! فقد تحدى فيلسوفنا المسلمات المقررة والاعتقادات المرسخة، مقتحماً عقبات العقل وحدود العلم، وجاءنا بمقاربة لهذه المشكلة ليست من جنس المقاربات المعهودة، لأنها لا تخاطب العقل المجرد في الإنسان، وإنما تخاطب عقله المؤيد بالروح؛ إذ تقرر أن الإنسان أشبه بالكائن الطائر منه بالكائن الزاحف.

ولما كانت مقاربة مفكرنا معالجة روحية غير مسبوقة لهذا الإشكال المحير، لم يكن بد من أن يتعرض لمختلف الدعاوى التي تعلقت به، علمانية كانت أو ديانية، ناقداً من غير تشنيع، وبانياً من غير ترقيع؛ وبعد أن طاف بنا في عوالم الوجود الإنساني، منبهاً على اتساع آفاقها وتداخل حدودها، انتهى إلى أن حلّ هذا الإشكال الخفي ليس في وجود ضيق يفصل بين الدين والسياسة ، ولا في وجود دونه ضيقاً يصل بينهما، وإنما في تجاوزهما معاً إلى فضاء وجودي غاية في السعة يتداخل فيه المرئي والغيبي تداخل اللحمة والسدى؛ فهنالك لا فصل ولا وصل، وإنما وحدة أولى تتلاشى فيها الحدود بين التعبد والتدبير؛ وتجلّت هذه الوحدة الروحية في ثمرة اللقاء الغيبي الذي عرض فيه الخالق، سبحانه وتعالى، على خلقه أجمعين، في يومٍ لا كالأيام، أمانته الثقيلة؛ فبادل الإنسان إلى حملها، متعهداً بالوفاء بحقوقها؛ إذ قضى الخالق، جلّ في علاه، في هذا اللقاء العظيم أن يكون التدبير أمانة، فصار بذلك عبادة، وأن تكون العبادة، هي الأخرى، أمانة، فصارت بذلك تدبيراً؛ لكن ما لبث الإنسان أن نسي عهده للخالق، سبحانه، ونسي حقيقة ” الأمانة”، ففصل ما كان موصولاً، ووصل ما لم يكن مفصولاً.

آراء العملاء

لا توجد مراجعات حتى الآن.

كن أول من يراجع “روح الدين”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like…

  • فكر ابن خلدون العصبية والدولة

    يصرح صاحب الكتاب أنه بعد قضاء عشر سنوات في صحبة مقدمة ابن خلدون ، توصل إلى أنه: مازالت هناك زوايا عديدة في حاجة إلى مزيد من الابحاث رغم كثرة الدراسات و الكتابات حول ابن خلدون و كتابه الاشهر المقدمة ، كما توصل إلى أنه لابد من إنجاز تصحيحات تعود بالفكر الخلدوني إلى إطاره الأصلي و تحتفظ له بكليته و هويته الحقيقة. و قراءاته وفقا لظروف تجربته الاجتماعية و مشاغله الشخصية و سياقه العصري.

    كما نبه من خلال أبحاثه هذه إلى الخطأ المنهجي الذي انساق إليه غير قليل من المعجبين بابن خلدون ونعني به النظر بعين الحاضر، والانطلاق من الفكر المعاصر، إلى ما ورد في المقدمة من آراء ونظريات في الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. و كذا فهم مصطلحاته وتعابيره فهما ينأى عن مقصوده، ويبعد بها عن مجال اهتمامه وقوالب تفكيره. فمعظم الدراسات الخلدونية في نظره قليلا ما تنظر إلى الفكر الخلدوني ككل، بل إنها كثيراً ما تنظر إلى آرائه في هذا الميدان في استقلال وانفصال عن آرائه في ميادين أخرى

    د.ا9.94
  • مدخل إلى القرآن الكريم في التعريف بالقرآن

    يؤكد الكاتب أن تأليف هذا الكتاب قد جاء الاستجابة لظروف ما بعد أيلول/ سبتمبر 2001 ، ورغبته في التعريف بالقراآن الكريم للقراء العرب و المسلمين والاجانب أيضا

    د.ا12.78
  • فقه الفلسفة

    كتاب فقه الفلسفة يتالف من جزئين1/2 الجزء الاول بعنوان الفلسفة والترجمة والجزء الثاني بعنوان القول الفلسفي تأليف طه عبد الرحمن، يعد هذا الكتاب أحد أركان المشروع الفلسفي ل د.طه عبد الرحمن وخصّه للجواب عن سبيل يوصل إلى الإبداع الفلسفي عربيا مع وجود التعلق بالترجمة؛ ويقوم هذا الجواب في إنشائه لعلم مستقل أطلق عليه اسم “فقه الفلسفة” (يجمع بين رتبة الفقه بين الشرعي ومكانة الفلسفة
    بين العلمي) ، وعرّفه بكونه العلم الذي: ينظر في الفلسفة من حيث هي جملة من الظواهر الخطابية والسلوكية التي تقبل التوصيف والتحليل والتنظير، أي التأمل النقدي في الفلسفة كموضوع.

    د.ا21.30د.ا24.85