النص والسلطة والحقيقة، إرادة المعرفة وإرادة الهيمنة

ثمة قاعدتان أساسيتان يحسن الإشارة إليهما في منهج تحليل الخطاب، وذلك لأهميتهما في تحديد طبيعة “الإجراءات” التحليلية المستخدمة في هذا الكتاب القاعدة الأولى: أن الخطابات المنتجة في سياق ثقافي حضاري تاريخي ليست خطابات “مغلقة”، أو مستقلة عن بعضها. إن آليات “الإستبعاد” و”الإقصاء” التي يمارسها خطاب ما ضد خطاب آخر تعني “حضور” هذا الخطاب الآخر، بدرجات بنيوية متفاوتة، في بنية الخطاب الأول. مع إفتراض غيابه التام العمومي على مستوى “المنطوق” و”المفهوم”، لأن هذا الغياب ليس إلا عملية “تغييب” هذا لتحقيق “الإقصاء”. فإذا أضفنا إلى ذلك أن تلك الخطابات تشترك إلى حد كبير في طبيعة الإشكاليات” التي تحدد منطوقها ومفهومها وبنيتها، أدركنا أن الحديث عن خطاب مستقل ليس إلا نوعاً من التبسيط الذي يفضي إلى تزييف الخطاب موضوع خطابات؛ وليس من س من حق واحد منها أن يزعم إمتلاكه الحقيقة، لأنه القاعدة الثانية أن كل الخطابات تتساوى . من حيث هي حين يفعل ذلك يحكم على نفسه بأنه خطاب “زائف”. الدراسة. قد يتمتع خطاب ما، في سياق سياسي اجتماعي تاريخي بعينه، بالذيوع والإنتشار اللذين يؤديان إلى سيطرته وهيمنته على الخطابات الأخرى، فيقوم بتهميشها وإلقائها خارج دائرة الضوء وبؤرة الاهتمام، لكن تاريخ الثقافة في كل المجتمعات الإنسانية يعلمنا أن هذه السيطرة والهيمنة لخطاب بعينه كانت تتم من خلال عوامل القهر السياسي والإذعان الإجتماعي ، لذلك يبرأ منهج الخطاب هنا قدر الإمكان من الإستسلام لأوهام اليافطات المستقرة (تراثياً وإعلامياً) لوصف بعض الخطابات وصفاً يستهدف وضعها في قلب “الدين” ذاته.