الوصف
يمكن القول إن العمل يعتمد في بنائه بالدرجة الأولى على تقنية الاسترجاع، فالأحداث هنا تنطلق من النهاية، الحكم يعيش أيامه الأخيرة، ويروي لعدد من تابعيه المخلصين، كجوذر، أحد كبار خصيان القصر، الفتى البربري زيري والطبيب شرحبيل، سيرة حياته، سيرة تبدأ منذ ولادة الحكم، مرورا بمرافقته لوالده الناصر، ومن ثم توليه مقاليد الحكم بعده، وصولا إلى مرضه وتمكن الحاجب بن أبي عامر من السيطرة على مفاصل الدولة.
يأخذ الكاتب بأيدينا ليدخلنا إلى قلب القصر الأموي، يعرّفنا على الكيفية التي تدار بها الدولة الأموية وآلية عمل نظم الحكم فيها، وتأثير مزاجية الحاكم وهواجسه الشخصية في اتخاذه القرارات المصيريةَ. على سرير موته يشرّح الحكم نفسه أمام المقربين، ويكشف ذلك الجانب المخفي من شخصية الخليفة، فإلى جانب الحزم والقوة والثقة المطلقة، هناك جانب آخر مليء بالضعف والقلق والخوف، لا يمكن إلا أن يثبت بشرية ونقصان صاحبه، وهو جانبٌ بدأ بالتكوّن عند الحكم منذ الطفولة مع الوفاة المفاجئة لشقيقته الصغرى زينب، ليتعمّق عبر الزمن مع خسارته حبّه الأوّل والوحيدَ هند، وابتعاد صديقه باشكوال عنه وانقطاع الصلات بينهما.
هي رواية مكتوبة بلغةٍ جميلة، مناسبة تماما للظرفية التاريخية المتناوَلة في العمل، وهذا ما يحسب للكاتب الذي يولي عناية شديدة لهذه الجزئية المهمة في بناء أي صرح روائي، لغة كانت شاعرية في بعض المواضع، وهو ما يتوافق مع ما ذكرته المصادر التاريخية عن ولع الحكم بالشعر، لكنْ بأسلوبٍ سلس ينحو نحو الإمتاع الذي يدفع القارئ (أي قارئ) إلى مواصلة القراءة حتى النهاية، وقد يساعد حجم الرواية (160 صفحة) على قراءتها في جلسة واحدة فقط، وهذا هو المطلوب للنهوض بالمستوى العام للأدب المغربي، وما نادينا به أكثر من مرة، بعدما وقعت الرواية المغربية لسنوات طويلة في فخ التعقيد والإملال والخلط المستمر بين التداعي والثرثرة، بين التجريب والتخريب.












المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.